تميزت إمارة رأس الخيمة في العصر
الوسيط دون غيرها من الإمارات نتيجة
لموقعها الجغرافي ومواردها الطبيعية
والمائية بالدخول في صراعات وحروب
عديدة قياساً إلى التاريخ القديم
للإمارات،
ولذلك يلاحظ الزائر لرأس الخيمة الكم
الهائل من المنشآت العسكرية في مختلف
أنحائها ولها ذكرها التاريخي، وقد قام
العديد من الباحثين الإماراتيين
والأجانب بالوقوف على تاريخ هذه
الحصون ، وفن البناء الخاص بكل موقع ،
وإن كانت الدراسات كثيرة ، إلا أنها
لم تبرز بصورة كبيرة الجوانب
التاريخية أو المعمارية لهذه المنشآت.
وقد تناول الباحث ناصر حسين العبودي
في كتابه (صفحات من آثار وتراث دولة
الإمارات العربية المتحدة) قلعة ضاية
ببعض التفصيل وخاصة من الناحية
المعمارية ، وقد قمنا بالاستعانة
بالباحث في الحصول على بعض المعلومات
إضافة إلى محاولات خاصة من إدارة
الموقع للوقوف على بعض الجوانب الخاصة
بقلعة ضاية من حيث طابعها المعماري.
تتمتع قلعة ضاية بإطلالة مميزة على
سهول خصبة جدا في منطقة تحيط بها
بساتين النخيل من كل النواحي ، وتشير
المراجع التاريخية إلى أن منطقة ضاية
استقر فيها منذ الألفية الثالثة قبل
الميلاد على أقل تقدير.
وتشكل القلعة مع الهضبة الجبلية
المخروطية الشكل ومنظر بساتين النخيل
منظراً رائعاً جداً ، خاصة في فترة
الشتاء عندما تعانق السحب قمم الجبال
الشاهقة.
وأشار صالح محمد العابد في كتابه (دور
القواسم في الخليج العربي 1747-1820م)
ص 318-230 إلى أن الحصن اعتبر المفتاح
الشمالي لرأس الخيمة لأنه يتحكم بقوة
بالممرات والتلال والطريق الساحلي
إليها.
بعض المراجع التاريخية كما في (الفتح
المبين لسيرة السادة البوسعيدين لحميد
بن رزيق) و (المفصل في تاريخ الإمارات
لفالح حنظل) ، تذكر عن القلعة أنها لم
تبن في زمن القواسم بل كانت برتغالية
اتخذها القواسم كموقع عسكري وأنهم
حسنوا فيها، ويمكن أن تكون من آخر
معاقل البرتغاليين في ساحل عمان والذي
أخرجهم منها ناصر بن مرشد اليعربي.
وثمة رأي يقول وهو ما ذهب إليه ناصر
العبودي بالقول بأن القلعة ليست
برتغالية البناء بل بنيت في فترة سبقت
الاستعمار البرتغالي للمنطقة ، ولكن
بعدما جاء البرتغاليون حسنوها ورمموها
كما فعل القواسم ، والقول نفسه ينطبق
على قلعة مسقط (عمان) فهي ليست
برتغالية بل كانت موجود من قبل.
وقد ذكر عالم الآثار الإيطالي الدكتور
(دي إريكو) وكان يرمم قلعة مطرح عام
1981م أن قلاع مسقط الجلالي والميراني
وقلعة مطرح تتشابه مع القلاع الموجودة
على ساحل فارس وأن البناء تم على أيدي
سكان هذه المناطق من البلوش وغيرهم في
فترات موغلة في القدم قبل
البرتغاليين.
وتؤكد الدكتورة سعاد ماهر (عالمة
آثار) أن تاريخ قلعة صحار الكبرى يرجع
إلى ما قبل الإسلام ، وأن كثيراً من
الأوروبيين ينسبونها إلى فترة
البرتغاليين ، ولعل مرجع هذا الخطأ هو
أن البرتغاليين قد نقلوا تصميمها
المعماري واستعملوه في استحكاماتهم
الحربية التي أقاموها في فترة الخليج
العربي.
وأمام هذه الآراء أعتبر الباحث
العبودي أن قلعة ضاية قد بنيت بمعرفة
سكان المنطقة أنفسهم من العرب في
أزمان موغلة في القدم ، ولا نستطيع
الجزم بأنه بني في القرن السادس عشر ،
وأن تاريخ الإمارات المعماري من خلال
التنقيبات الأثرية أكد لنا وجود كثير
من القلع في مختلف مناطق الدولة.
وإذا ما رجعنا إلى جانب المعمار
والدراسات الأثرية العلمية نلاحظ وجود
تقريرين لعالم وعالمة آثار بريطانيين
زارا الموقع وكتبا عنه ، ومما ذكرته
عالمة الآثار (دي كاردي)
De Cardiاعتماداً
على زيارتها للحصن عام 1968م ما يلي:
يقع الحصن في منطقة الرمس على مرتفع
صخري مخروطي الشكل تقريباً وبارتفاع
300 قدم يحيط به بقايا بناء من اللبن
مكون من جدار وجزءين بارزين “قلعة”
(مخمس الشكل غالباً) وأحد هذين
البناءين يوضح المدخل وأساسات هذين
الجزءين مبنى من الحجر. أما البناء
فهو من اللبن ، وهذا البناء لا يعود
إلى أكثر من 100-200 سنة ، ولكنهما لا
يبدوان واضحين لعدم وجود ترميم لهما ،
أما أخشاب البناء من أسقف وغيرها فقد
أخذت منه سابقاً، وملامح هذا الموقع
توضح ستة أسس لجدران تقريباً ،
ولأبراج صغيرة من بناء دفاعي ذي
استحكامات دائرية حول السفح السفلي ،
وفي الجانب الغربي وفوق مجموعة من
صخور الجدران وبشكل مستطيل يظهر شكل
مهم ربما يشير إلى شكل بيت ، وعلى بعد
150 ياردة جنوب غرب الصخور هناك حصن
كبير مربع مبني من اللبن مزود بقلاع
بالأركان وواحد من هذه القلاع مدور
متصل بالركن من الجانب الجنوبي الشرقي
والقلاع الأخرى مربعة.
إن السور العالي الذي يبدو كالسياج
متهدم ومتآكل ، وهو يربط الأبراج
محافظاً على الساحة الوسطية ، وربما
كان هذا الموقع حطم سنة 1819م من قبل
البريطانيين في حرب ضد القوى
الساحلية.
إن الملتقطات الأثرية من الموقع عبارة
عن قطع فخارية (صيني) بورسلين من
اللون الأزرق فوق الأبيض من الفترة
المتأخرة من أسرة (مينج) الصينية صنع
في القرن 17 الميلادي أو في أواخر
العصور الوسطى ومن الفخار غير المزجج
، إضافة إلى فخار ملون مصنوع يدوياً
يعود إلى فترة جلفار وما بعدها.
أما عالم الآثار ديرك كينت
Derek kennet
وهو عالم آثار في المعهد الآثاري
بجامعة لندن ومنقب أيضاُ بمتحف رأس
الخيمة الوطني سابقاً ، فيذكر في
تقريره عن حصن ضاية (وهو أوضح من
السابق) إلى مذكرة مكتب الهند
(البريطاني) عن قلعة ضاية أنها قلعة
قوية تقع على جبال مجاورة تسمى (زير)
Zaire
وفي عام 1823م زار كل من الكولونيل
كينيت والكابتن فايثفل ساحل الإمارات
، وذكر أن القلاع في كل من الرمس
وضاية ورأس الخيمة مازالت مدمرة ، وفي
السنة نفسها التقى الكابتن ماكلود
الشيخ سلطان بن صقر حاكم الشارقة.
وفي التقرير المعماري يذكر المعماري
أن طول القلعة 27 متر وعرضها 19 متر ،
وتقع فوق المرتفع المدبب لأحد الجبال
في قرية ضاية وفي المنطقة الزراعية ن
وما زالت واضحة على بعد أميال على طول
الساحل والقرية خلف مجموعة الأبراج
الدفاعية ، حيث يمكن مشاهدة هذه
القلاع (الأبراج) من القلعة.
ويلاحظ حصن مبنى من اللبن يقع في سفح
الجبل خلف القلعة وتقع إلى الجنوب
الغربي ، وفي السفوح السفلى للمرتفع
هناك مجموعة من الاستحكامات العسكرية
، وهي جزء من الدفاع الخارجي للحصن ،
وقلب الحصن (أساسة) عبارة عن جدار
بارتفاع 4 أمتار مبنى من الحجر غير
دائري في قمة المرتفع ، والمسافة
الوسطية التي تقع في السور مملوءة
بالرمال والحجر والحجارة الصغيرة ،
ليكون ما يشبه القاعة أو المنطقة
الوسطى التي تشكل بدورها منطقة عادية
بيضاوية الشكل بطول 25 م ، والسور
المتبقي مبنى في الأعلى باللبن حتى
مستوى الشرفة ويحيط بالساحة الوسطية
وتتقابل الأبراج بعضها مع البعض الآخر
(وهما برجان) مبنيان من اللبن وتشكل
الجدران الخارجية لهذه الأبراج جزءاً
من السور الخارجي للساحة الوسطية
والبرج الجنوبي ذو الشكل العادي يتضح
منه أن فيه المدخل الرئيسي للدخول
للساحة الوسطية والخارج.
والبرجان كلاهما يتكونان من طابقين ،
الطابق العلوي بدون سقف بذلك يسمح
بمشاهدة حركة السفن والمراقبة لخط
الساحل ، ويسمح اليوم بمشاهدة مناظر
جميلة للساحل.
وفي وسط الساحة نرى نتوءات وقمم صخور
المرتفع الأصلي (نتوء الجبل) واضحة
بجانب الرمال المجلوبة للساحة ، وفي
بعض مناطق ساحة الحصن يلاحظ بقايا
آثار صخور الجدران على السطح ، وهذه
البقايا توضح إضافات بنائية صغيرة
ملحقة بالحصن المختفي منذ زمن بعيد ،
وهذا الحصن بشكل عام مبنى من اللبن
(الطين غير المحروق) والحجارة والملاط
الطيني
Morter
، وقد رمم هذا الحصن التاريخي
عام 1993م من قبل دائرة الآثار
والمتاحف في رأس الخيمة ، وفي أثناء
الترميم عثر على بعض من قذائف
المدفعية البريطانية مدفونة في
الجدران ، وهي الآن محفوظة في متحف
رأس الخيمة الوطني ، وقد حطم الحصن
كلياً بعد الحرب مع البريطانيين ولكن
كانت هناك آثار له حتى عام 1823م ،
وأعيد بناؤه مرة ثانية بدون معرفة
أصلة الأول.
لا تختلف قلعة ضاية عموماً في موقعها
وطريقة بنائها عن قصر الزباء (المسافة
بين ضاية والزباء حوالي 8 كلم) حيث
ضاية تقع شمال شمل ن وتقع كل من
القلعتين فوق جبل إلا أن قلعة ضاية
أصغر من الزباء وتعد القلعتان
استراتيجيتان.
ويبدو أن اتخاذ القلاع لها على قمم أو
أعالي الجبال ليس وليد الفترات
الزمنية المتأخرة ، بل إن هذا النظام
العسكري ربما يعود إلى آلاف السنين
وذلك اعتماداً على المكتشف من الآثار
في مختلف مناطق الدولة.
وقد تم ملاحظة بعض من هذه التحصينات
العسكرية وتتكون على ما يبدو من
القلاع والاستحكامات العسكرية ومناطق
السكن للعسكر ، ويكون بناء هذه
التحصينات في جهة تكون سهلة الصعود ،
ولكن بتكلفة وأقل حدة من الجهات
الأخرى للمرتفع التي يستغل وضعها
الطبيعي كحام أو مانع للمهاجمين
والأعداء ، وبذلك تكون هذه الجهات
مؤمنة لسكان هذا الجبل أو المرتفع ،
وقد تكون قلعة ضاية أقل مستوى في جودة
التحصينات إذ يبدو بارزاً للعيان
وبذلك يكون سهل المنال من الناحية
العسكرية.
وهناك حصن آخر في ضاية ولكنه أسفل
الجبل ، وربما كان يعود إلى فترة قلعة
ضاية ، ويعد هذا الحصن مقراً للسكن
بينما القلعة أعلى الجبل فهي حصن
عسكري محصن، وقد تم بناء الحصن من
الطوب واللبن وتشير المراجع إلى أنه
كان يستخدم كمنتجع (سور ) حيث يتجمع
المقيمون في بساتين النخيل والعاملون
بها وكذلك
حيواناتهم للدفاع عن أنفسهم وقت
الخطر، وللأسف لم يخضع هذا الحصن
للترميم مما أثر في جدرانه ، ولم
يتبقى منه سوى بعض القواعد والجدران
الآيلة للسقوط في أي وقت يتحتاج فيه
لترميم سريع ليبقى شاهداً على تاريخ
طويل من الصراع ضد الاستعمار
البريطاني بجانب البطولات التي شهدتها
جارتها قلعة ضاية.
و فوق ذلك تم بناء برج واحد للمراقبة
في
بساتين النخيل لتأمين وحراسة المنطقة
، والاستخدام المشترك لمواقع التحصين
الثلاث ،
الحصن أعلى الهضبة ، و “السور” و برج
المراقبة كانوا بمثابة وسيلة دفاعية
مثلى
لواحة ضاية الخصبة و تعتبر طريقة
متطورة لحماية سكان الواحة المتفرقين.
في عام 1999م قامت دائرة السياحة في
رأس الخيمة بإعادة ترميم القلعة وبناء
درج شيد بنظام هندسي ومعماري رائع
يسهل معه الصعود إلى القلعة دون عناء
، وقد انتهت أعمال الترميم الأخيرة في
شهر ابريل من عام 2001م ، وتؤكد دائرة
السياحة إلى أن القلعة لم تكن مبنية
لمواجهة الحصارات طويلة الأمد ؛ حيث
أنها تفتقر إلى خزان لليماه ، ولكنها
كانت مركزاً للدفاع ضد الهجمات
السريعة لغارات العدو ، وقد أحيطت قمة
التل بسور صخري مليء من الداخل بالحصى
ليشكل سطحاً مستوياً ، وفي الوسط توجد
العديد من الصخور التي تشير إلى وجود
مباني شبه دائمة (أكواخ العريش) مكملة
للأبراج.